Powered By Blogger

الخميس، 22 أغسطس 2013

عرض كتاب "مذكرات الدعوة والداعية" لحسن البنا

لا يسعنا في إطار الحديث عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين إلا إلقاء الضوء على مؤسس الجماعة حسن البنا حيث نتحدث عن كتابه "مذكرات الدعوة والداعية"، ونحاول الغوص في عقل هذا الرجل عن طريق مذكراته التي ذكر نفسه فيها أحيانا بضمير المتكلم وأحيانا أخرى بضمير الغائب.

يتميز الأسلوب بالرصانة وهو ما يناقض إلى حد كبير الأسلوب الحماسي العصبي لسيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، وذلك مع الأخذ بنوعية الكتابين في الاعتبار حيث كتب البنا سيرة ذاتية بينما كتب قطب كتابا دعويا في الدرجة الأولى.

ولد البنا في المحمودية بالبحيرة عام 1906، وظهرت زعامته لزملائه مبكرا حيث كان رئيسا لـ"جمعية الأخلاق الأدبية" ثم "جمعية منع المحرمات" والتي كانت ترسل خطابات سرية إلى الخاطئين في نظر أعضاء الجمعية تنبههم إلى ضرورة الإصلاح من أخلاقهم. تتلمذ البنا على الطريقة الصوفية الحصافية الشاذلية والتي كانت من تعاليمها ((الحكيمة)) – كما يرى البنا- "أنه لم يكن يسمح للإخوان المتعلمين أن يكثروا الجدل في الخلافيات أو يرددوا كلام الملاحدة أمام العامة من الإخوان ويقول لهم: اجعلوا هذا في مجالسكم الخاصة تتدارسونه فيما بينكم" .. إلا أن البنا كان يأخذ على معظم الطرق الصوفية الأخرى أخذها للتصوف كتكأة عند اللزوم للعمل في ((السياسة))! وقد كان يستشهد بقصة أحد الشرفاء من النسل النبوي وهو السيد البدوي بطنطا والذي كان يرغب بتطبيق الشريعة بعزل المماليك عن الحكم باعتبارهم عبيد لا يملكون الحق في الملك وأخذ الأمر صولات وجولات بين الطرفين وأنصارهما حتى ظهرت مآثر قطز وبيبرس في محاربة المغول والصليبيين وفشلت محاولات السيد البدوي في عزلهم.

تخرّج البنا في دار العلوم ثم عمل مدرسا بالإسماعيلية وقد كان يرغب في العودة بالناس إلى دينهم الذي أصابه التحلل في نظره بعد الحرب العالمية الأول. كان يلقي المواعظ والدروس بالمقاهي حيث تميز أسلوبه بالذكاء والاحترافية في الحوار فكان لا يطيل ويجمع بين الترغيب والترهيب وعدم لوم الجمهور على معاصيه حتى أستطاع سلب لب العديد من رواد المقاهي، ونلاحظ في هذه الفترة مقارنته الدائمة بين الإسلام والمسيحية كضدين وما تمنحه حكومة الاستعمار لبناء الكنائس والتبشير في مقابل ما تمنحه لبناء الجوامع، إلا أن المرشد العام الأول لم يرفض التبرع الذي كان ((بسيطا)) في نظره من شركة قناة السويس كمساهمة في بناء جامع للإخوان.

أما فكره الإخواني فنراه ممثلا في بعض خواطره حيث يقول "لا ينفع في بناء الدعوة إلا ما بنيت بنفسي وبجهود الإخوان الحقيقيين" ونلاحظ السرية "ليس بلازم في الدعوة أن تكون باسم الإخوان المسلمين، فليس غرضنا إلا إصلاح النفوس، ثم بعد ذلك تتكون الجماعات". أما بالنسبة للنهضة فهو يري "إن نهضتنا لا تزال مبهمة لا وسائل ولا غايات ولا مناهج ولا برامج" بينما ينتقد خصومه السياسيين قائلا "سل أي زعيم سياسي: رئيس الوفد أو رئيس الأحرار عن المنهج الذي أعده للنهوض بالأمة والسير بها إلى نوال أغراضها" ..  وهو هنا ينتقد ما يلحق بحزبه من تقصير بانتقاد الأحزاب الأخرى!! 

أما بالنسبة للتنظيم الداخلي للإخوان فنجد تركيزا شديدا على جمع التبرعات فالأخ يجاهد بنفسه وماله، وتجد "سهم الدعوة" الذي يشمل خُمس أو على الأقل عُشر دخل العضو، وهو ما يُطبق إلى يومنا هذا، وانقسام الإخوان إلى درجات من حيث الجهاد والعمل والتبرعات فتجد أخا مساعدا، ثم أخا منتسبا، فأخا عاملا وأخيرا أخا مجاهدا. 



أما بالنسبة للأعمال والمشروعات الاقتصادية فهي – كما يذكر الكتاب- تكون "بغير اسم الإخوان وفي غير دورهم ولها نظامها المالي والاقتصادي الصرف" أي المنفصل. 

وأخيرا نجد التدريبات العسكرية التي بدأت مع السنين الأولى 
لنشأة الجماعة، والاتجاه السياسي الذي نراه جليا في "رسالة نحو النور" ومطالبها الخمسين التي وجهها البنا لحكام الدول الإسلامية وما تشتمل عليها من مصطلحات كـ" الجهاد الإسلامي، الخلافة الضائعة، مراقبة سلوك الموظفين، وجوب التفريق بين مناهج الفتيات ومناهج الصبيان، منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، الحسبة، مراقبة الفنون والصحافة، توحيد الأزياء، تحريم الربا" وبند "تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم وتقليل مرتبات الموظفين الكبار" وهو ما يسمى بالحد الأدنى والأقصى للأجور حاليا.

تنتهي أحداث الكتاب بفترة الثلاثينات، ولا تتطرق بطبيعة الحال إلى اغتيال حسن البنا بطلق ناري في العام 1949.

من المفارقات الطريفة للمُتابع تكرار عبارة "الحق أبلج" في كتابنا هذا، وكتاب سيد قطب في الستينات، والخطاب الرئاسي الشهير العام 2012.

في النهاية أورد حديثا بين البنا وناظر المدرسة في إطار تحقيقات أتُهم فيها بالشيوعية والمعاداة للملك حيث قال: "إذا كنا نخدع الناس بهذا الجهاد في سبيله وهذه الدعوة إلى دينه فإن محكمة الجنايات وجهنم قليل على الذين يخدعون الناس عن الدنيا بلباس الدين" فهل كان البنا يقصد كلامه حقا؟ وهل اعتبر به أتباعه من بعده؟ لا يسعنا هنا إلا أن نقول: المعنى في بطن "القائل". 

سلمى هشام

نشر المقال في مجلة دقة جديدة - عدد ابريل 2013

هناك تعليقان (2):

Emtiaz Zourob يقول...

عندي لحسن البنا كتاب رسائل الشهيد حسن البنا .. الكتاب به أفكار جيدة لبناء حياة مسلمة سليمة ، وطبعا أفكاره مختلفة اختلاف كبير عن سيد قطب ..

استمتعت بمروري هنا يا سلمى .. واستفدت معلومات جديدة .. وإن شاء الله يكون هذا الكتاب على قائمة الكتب التي " انتوي " قراءتها =D

ضياء عزت يقول...

قراءة جيدة ومفيدة