*أنظر الملحوظة في آخر التدوينة.
"يامو سليم .. يامو
سليم .. تعا مشان تفطر يا قلبي ..... يا مو
سليم!!"
"أي يامو جاي
جاي"
قبل يديها المسنتين،
"يامو والله ما عاد إلي نفس .. ما عم بقدر يامو .. عم يروحوا يامو كل يوم ..
عم تروح شامنا يامو"
"خلص يا ابني
خلص ..اصبر مشان الله .. تقبرني دير بالك ع حالك .. خود يا سليم هادا القرآن
الكريم معك .. بجنب قلبك .. بجيبتك يا حبيبي .. الله يرضى عليك .. بدك تخط قرآن
جديد بإذن الله .. أوعدني يامو .. كِل شي برضايي عليك".
"بوعدك يا أم
سليم .. يا الله .. يا رب انصرنا" قبل يديها ثانية .. دس القرآن بجيبة
الجاكيت .. شرب كاسة الشاي وأكل عروسة زيت وزعتر على عجالة ثم خرج.
كان يحمل بعض اللوحات
التي خطها بالأمس بعناية ووشاها بالتشكيل الذي زاد للمضمون نبلاً وجمالاً، كتبها
بقلم البوص الذي ورثه عن أبيه كما ورث مهنة الخطاطة التي صارت تعينه كما لم تعنه
من قبل، يخط اللوحات بشغف طفل يمسك بعلبة ألوان مبهرة لأول مرة ويكتب على مساحات
الحيطان الممتدة شرقاً وغرباً بلا حدود معروفة.. من أجلها هي .. هي فقط.
رسم بحبر أحمر قاني وآخر
أسود ثخين تلك اللوحات المنمقة، بعد أن أصبح هذان اللونان يسيطران على مجريات
الأمور في الأشهر الطويلة الماضية .. لم ينس سليم النجوم الخضراء المزروعة بتحد
بالغ وسط رقعة البياض التي تزين العلم .. تنفس بثقل .. وضع يده فوق جيبه يتحسس
موضع القرآن الكريم .. تذكر تلك الطفلة التي كانت تنوح بالأمس وهو يمر بنفس الموقع
متجهاً لملاقاة رفاق الكفاح لا يحمل سوى تلك الأوراق وروحه .. لم ينس نداءات
الآذان والقرآن الليلي المجود على أرواح العائلات الكاملة التي رفضت أن تفترق حتى
عند الموت .. فسقطت خلال القصف الجوي اللعين.
حمل سلاحه وتوكل على
الحي القدير .. وكان ذلك السيل الكريم من الرصاصات.
"يا الله
ساعدنا .. ما إلنا غيرك يا حق" صرخت أم سليم والدموع تحاصر وجهها المتغضن.
عاد لها القرآن .. عاد
مع أبو نبيل رفيق سليم في تلك الأشهر الطويلة الماضية .. عاد طاهرعلى طاهر توشي
أطرافه دماء سليم.
الإفطار كان جاهزاً ..
عرائس الزيت والزعتر واللبنة مرصوصة بعناية على الطاولة الصغيرة .. الكاسة الصغيرة
فارغة تنتظر لمسات سليم الحانية وهو يصب الشاي الساخن بعد صلاة الفجر .. قلم البوص
الخشبي والأوراق البيضاء المتسعة كالسماء المرحبة مرصوصة كما تركها البارحة تناديه
ليزرع عالماً وأملاً طال انتظارهما.. تخته الصغير الذي لم يأته النوم عليه مذ ثارت
روحه يشتاق إلى ذلك الجسد الحار المؤرق بشحنات الحرية والتفكير المضني.
أخذت أم سليم القرآن
الكريم من يد أبو نبيل .. لمست دم سليم الذي كان مازال ناديأً دافئاً على أطراف
الصفحات الصغيرة.
قرأت: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ
مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" سورة البقرة (الآيات 153-155).
قبلت أم سليم جبين ولدها
للمرة الأخيرة وانهمكت في صلاة خاشعة ثم بدأت في إعداد الفطائر الساخنة
وعرايس الزيت والزعتر
واللبنة والشاي الساخن لرفاق سليم .. وضعت كفها على الدماء المطبوعة على أطراف
القرآن بعد أن فتحته، واعتدلت في جلستها، وبدأت في القراءة.
*ملحوظة: كتبت هذه القصة القصيرة في بداية 2012 حين كان لا يُصدّر لنا في مصر إلا مشاهد مذابح الأطفال والنساء في سوريا وسقوط المآذن واستهداف المساجد، أما الآن وقد ظهر الجيش السوري الحر وتبينت مذابحه التي تشابه مذابح الأسد وتطرفه كما جماعة الإخوان المسلمين التي تتستر في المساجد وتطلق منها الرصاص وتقتل المواطنين والجيش والشرطة وتحرق الكنائس وتنشر التطرف وتدعم أيضا الجيش الحر ..
وبما أن ما يُصدّر عن جيش مصر الآن في الخارج وعن طريق قناة الجزيرة هو نفس الدعاية المضللة التي تثار عن جيش النظام السوري بهدف كسر الجيش المصري وهو آخر جيش قوي في المنطقة العربية؛ فأحب أن أوضح أن بطل قصتي هنا حمل السلاح للدفاع عن حيه وبلده ولم أقصد أثناء كتابة القصة أن أشير من قريب أو بعيد إلى انتمائه إلى الجيش السوري الحر.
وقد شاركت قصتي في كتابين هما "صناع الكلام" (كتاب ورقي)، و"وجع الياسمين" (كتاب إلكتروني) لذا وجب التنويه.
- سلمى هشام، 17 أغسطس 2013
هناك 10 تعليقات:
يااااااااااة
برغم انها بتحصل كل ساعة ول دقيقة كمان في سوريا والعراق وفلسطين
بس كل مرة اقرأ فيها شيء كهذا اجد دموعي تتساقط
تحياتي
تحياتي لك رحاب ..
اللهم أنصر كل من في محنة ..
وأرحم الشهداء الأبرار
ربنا معاكم
تحياتى
شكرا عمرو ،
هو الحقيقة إن أنا مصرية بس بكتب عن سوريا..
وفعلا ربنا معاهم والله يعينهم
تحياتي لك
لمستني جدا جدا جدا قصتك دي يا سلمى..موقف هذا البطل من وطنه و موقف هذه الأم العظيمة القوية بالايمان و الصبر..ربنا يرزق سوريا الامن و الامان و يحقن دماء أهلها و يخلصهم من كل الطغاة و القتلة و السفاحين..تحياتي
عزيزي أحمد ،
كم تألمت من تلك الصورة فكتبت القصة وهي لا تعبر عن هول الحقيقة .. اللهم أنصر المظلومين
جميلة جدا يا سلمى
مكتوبة بإحساس مش عادي وواصل لأبعد حد
ربنا معاهم وإن شاء الله الفرج قريب
جميلة ومؤثرة أوى يا سلمى
شكرا جزيلا مروة :)
كم انتباتنى قشعريرة فى متابعة كل اخبار سوريا ... لكن بعد أن فرغت من قراءة تلك القصة المريرة تأثرت لاهل سوريا أكثر من سابقها ... نسأل الله ان يرزقهم صبراً ونصراً
إرسال تعليق